هل تُبالغ؟ أم يتم التلاعب بك؟
أنا مررت بهذا… ، مررت بلحظة جعلني فيها أحدهم أصدق أنني مخطئ دائمًا. أنني "أبالغ"، "أتخيل"، "أتوهّم". أفكاري لم تعد تخصني… وصوتي بدا غير موثوق. كنت أعتذر كثيرًا… عن أشياء لم أكن مخطئًا فيها. وأسأل نفسي ليلًا: هل فعلاً أنا كما يقولون؟ أم أنني انطفأ بهدوء… وأُسمّى مجنونًا حين أشتعل؟
![]() |
هل تُبالغ؟ أم يتم التلاعب بك؟ كيف تكتشف وتتعافى من الـ Gaslighting؟ |
إذا شعرت يومًا أنك لم تعُد تثق بشعورك، وتشكّ في ذاكرتك، وتبرّر لمن أذاك… فربما، دون أن تدري، تعيش تحت تأثير تلاعب عقلي اسمه: Gaslighting.
تأمل: التلاعب لا يبدأ بالصراخ… بل بجملة هادئة مثل: "أنت حساس جدًا."
ما هو الـ Gaslighting؟ ولماذا لا نلاحظه فورًا؟
Gaslighting هو نوع خفي من التلاعب النفسي، يجعل الشخص يشك في واقعه، ومشاعره، وذاكرته. ليس بالصوت العالي، ولا بالصراخ… بل بجمل بسيطة تتكرر: "ما صار كذا"، "أنت تتخيل"، "الناس طبيعيين… أنت اللي عندك مشكلة".
ولأنه لا يأتي كإهانة واضحة، بل كـ"رأي"، أو "اهتمام"، أو حتى "حب"، فأنت لا تنتبه في البداية. تظن أنهم يفهمونك أكثر منك. وتبدأ تضع نفسك في قفص الاتهام… كل مرة تشعر بشيء.
معلومة: الاسم "Gaslighting" مأخوذ من فكرة قديمة، كان فيها الزوج يُطفئ الأنوار تدريجيًا… ثم يقنع زوجته أن الضوء لم يتغير. فقط عقلها هو المُضطرب.
6 علامات خفية تدل أنك تتعرض لـGaslighting
المؤلم في هذا النوع من التلاعب أنه لا يُضربك في وجهك… بل يهزك من داخلك، بصمت. وكلما استمر، زادت شكوكك بنفسك، وقلت ثقتك في مشاعرك.
- تشعر أنك دائمًا المُخطئ: حتى لو كان شعورك مشروعًا، يُقال لك "أنت تبالغ" أو "ما صار هيك".
- تبرر للآخر تصرفاته… أكثر من اللازم: "هو مضغوط"، "ما كان يقصد"، "أنا حسّاس".
- تعتذر كثيرًا… دون أن تعرف لماذا: كأنك متهم مسبقًا… وواجبك أن تدافع عن نفسك حتى في مشاعرك.
- تشك في نفسك رغم أنك تعرف الحقيقة: ترى شيئًا، تسمعه، تعيشه… ثم تُقنع نفسك أنك تتهيأ.
- تتجنّب الحديث عن مشاعرك خوفًا من أن تُتَّهم: لأنك صرت ترى الألم ضعفًا… لا صوتًا.
- تفقد الثقة بحدسك الداخلي: لا تعرف من أنت فعلًا… هل أنت حسّاس؟ أو مريض؟ أم أنك فقط تُطفَأ بصوت ناعم؟
تأمل: حين تبدأ تشك بنفسك أكثر مما تشك بالذي أذاك… توقف.
التلاعب الصامت يُطفئك… فهل تصدّق نفسك مجددًا؟
إذا شعرت يومًا أن صوتك غير مسموع… أو أن مشاعرك محل شك دائم… شاهد هذا الفيديو، وتأمل كيف يكون النور الأول… هو أن تصدّق نفسك، لا من كذبك.
كيف يؤثر Gaslighting على ثقتك بنفسك؟
المشكلة في هذا النوع من التلاعب أنه لا يُجرّحك مباشرة… بل يجعل جُرحك يبدو وكأنه "خيالك". وهذه بعض آثاره العميقة التي تحتاج وقتًا حقيقيًا للتعافي منها:
- اولاً تفقد صوتك الداخلي… وتصير تُصدّق الآخرين أكثر منك.
- ثانياً تبدأ تعتذر عن مشاعرك بدل أن تُعبّر عنها.
- ثالثاً تبرر لمن آذاك وتلوم نفسك.
- رابعاً تتردد في كل قرار، وتخاف أن "تُفهم بشكلٍ خاطئ".
- خامساً تشعر أنك غير مستحق للحب… لأنك "كثير الحزن".
- سادساً تعيش علاقة تبدو طبيعية ظاهريًا… لكنها تخنقك داخليًا.
سؤال: كم مرة شككت في سلامة قلبك… فقط لأن شخصًا آخر رفض الاعتراف بخطئه؟
علاقة صحية × علاقة تعتمد على التلاعب النفسي
ليس كل اختلاف في العلاقة هو Gaslighting… لكن هناك علامات لا يجب أن تمرّ. الجدول التالي يساعدك على رؤية الفارق بوضوح:
علاقة صحية | علاقة فيها Gaslighting |
---|---|
يسمع الطرف الآخر شعورك ويأخذه على محمل الجد | يُقال لك "أنت تبالغ" كلما عبّرت عن شيء |
يعترف الطرف الآخر بالأذى عندما يحدث | يُنكر ما حصل أو يُقلب ضدك |
النقاش يُقوّي العلاقة | النقاش يُستخدم كأداة للشك فيك |
يُطمئنك الطرف الآخر في الشك | يُشعرك أنك غبي إن شككت |
تشعر بالاستقرار الداخلي | تشعر بالارتباك والتشويش الدائم |
معلومة: التلاعب النفسي لا يُبنى في يوم… لكنه يُخرّبك بالتدريج.
مواقف واقعية من التلاعب العقلي
إذا كنت لا تزال تقول: "يمكن أنا أبالغ فعلًا"، فاقرأ هذه المواقف. لو وجدت نفسك فيها… فربما الأمر ليس فيك، بل فيمن يطفئك.
- في علاقة حب: تقول له أنك انجرحت من كلمته… فيقول: "أنا؟ ولا كلمة جرحتك! هذا من راسك".
- في العائلة: تشكي لأحد والديك من ضغط عاطفي… فيقال لك: "أنت صرت ناكر للجميل، كل اللي سويناه ما نفع؟"
- في الصداقة: تعترض على تصرف جارح، فتسمع: "والله صرت تتغير… ما كنت كذا حساس".
- في العمل: تتحدث عن ضغط نفسي غير مبرر، فيُرد عليك: "كلكم تبغون دلال… شد حيلك بدل التذمر".
رسالة: الذي يُنكِر وجعك، ليس أقرب لك ممن يُصغِي له.
تمرين وعي ذاتي: هل ما أشعر به… حقيقي؟
أنت تحتاج أن تعود إلى صوتك الداخلي. لا لتثبت شيئًا لأحد… بل لأنك تستحق أن تصدّق نفسك من جديد. اكتب هذه الأسئلة في ورقة… وأجبها وحدك، بصدق:
- اولاً هل شعوري تجاه الموقف مبني على "شيء حصل فعلًا"؟
- ثانياً هل الطرف الآخر اعترف به، أم جعله يبدو وهمًا؟
- ثالثاً هل أشعر بالراحة بعد الحديث؟ أم أشعر بالذنب دائمًا؟
- رابعاً هل طُلب مني السكوت أكثر من التعبير؟
- خامساً لو كانت القصة مع صديقي المقرب… هل كنت سأعتبر ما حدث طبيعيًا؟
ملاحظة: ما لا تُعبّر عنه… لا يختفي. بل يُمرضك بصمت ، فأجب عزيزي بكل صدق.
خطوات واقعية لتبدأ استعادة نفسك
لا تتوقع أن يتم شفائك من التلاعب النفسي بيوم أو بيومين. لكن هناك خطوات، بسيطة وصادقة، تُعيدك خطوة خطوة نحو صوتك:
- اكتب كل مرة شعرت فيها أنك "تُبالغ"… وراجع هل السبب منطقي؟
- تحدّث إلى شخص خارجي تثق به: من لا يعيش داخلك، يرى الحقيقة أوضح (وهذه عن تجربة شخصية وستفرق معك).
- لا تتسرع بقطع العلاقة: راقب التكرار… واستمع لمشاعرك لا أقنعتك.
- ضع "حدًا داخليًا": لا تسمح لأحد بأن يُعيد تعريف شعورك بالنيابة عنك.
- ارفع وعيك بما يحدث: ليس كل تلاعب مقصود، لكنه لا يعني أنه غير مؤذٍ.
تذكير: الشفاء لا يبدأ بالانتقام… بل بأن تقول داخلك: "أنا أصدّق نفسي من جديد".
تأمل: ليس كل من أنكر وجعك بريء… وبعض الابتسامات تُخفي تشويشًا قاتلًا.
مقالاتنا السابقة ذات صلة اطلع عليها الآن
- كيف تحمي نفسك من الأشخاص السامين دون أن تخسر طاقتك؟
- فقدان الشغف: حين لا يعود لشيء طعم… كيف تستعيد نفسك؟
- غياب الحدود الشخصية: هل أنت طيب… أم لا تعرف قول "لا"؟
رأيي الشخصي في الـ Gaslighting وما حدث معي
أنا مررت بتجربة Gaslighting. لم تكن واضحة، ولم أكتشفها بسرعة… لكنها كانت تستنزفني من الداخل. كنت دائمًا "المُخطئ"، حتى لو قلت "أنا تعبت". أصبحت أعتذر كثيرًا، وأصمت كثيرًا… وأخاف أن أقول ما أشعر، لأنني لا أريد أن أبدو "مُبالغًا".
وحين بدأت أراجع نفسي، أدركت أن النبي ﷺ قال: "المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين". فعرفت أن الرحمة بالذات ليست ضعفًا، بل مسؤولية. وأن تجاهل الألم باسم الصبر… ليس صبرًا بل قسوة على النفس.
اليوم، أحاول أن أُرمم صوتي… وأن أقول لنفسي: "أنا أصدقك، ولو أنك متألم فقط." وأتعلم أن أوثق صلتي بالله عز وجل، لا لأهرب، بل لأقف على قدمي بثبات داخلي لا يتلاعب به أحد.
الأسئلة الشائعة حول Gaslighting
هل Gaslighting دائمًا يكون بقصد؟
ليس دائمًا. أحيانًا يكون سلوكًا مكتسبًا من الطفولة. لكن هذا لا يعني أنه غير مؤذٍ أو مقبول.
هل أواجه من يفعله؟ أم أبتعد؟
إن كنت في خطر نفسي مستمر، فالأفضل الابتعاد بهدوء. المواجهة تحتاج وعيًا، دعمًا، وحدودًا واضحة.
كيف أعرف أنني لست أنا المشكلة؟
عندما تتكرر نفس المشاعر في علاقتك، رغم محاولاتك المستمرة للحل… فربما ليست مشكلتك.
هل يمكنني الشفاء من هذا النوع من التلاعب؟
نعم. بالوعي، بالدعم النفسي، بتوثيق مشاعرك، وبالعودة إلى صوتك الداخلي شيئًا فشيئًا.
نهاية هذا المقال:
إذا شعرت يومًا أنك لم تعد تعرف من أنت… فتوقّف. انظر في المرآة، وقل: "أنا أصدّق نفسي، حتى لو أنكرني الجميع". العودة للذات ليست غرورًا… إنها نجاة.
قريبًا: كيف تُعيد بناء احترامك لذاتك بعد علاقة مؤذية؟ تابع مقالنا القادم: هل أنا آمن فعلًا؟ كيف تعيش الشعور بالأمان النفسي بعد صدمات خفية؟